معظمنا
وربما جميعنا يتعامل
مع النقود يومياً دون أن يتوقف لحظة
ليسأل نفسه هذه الأسئلة البسيطة ، أليس كذلك؟
فما هي ماهية النقود
؟ كيف
نشأت ومن أين جاءت ؟ ولماذا ؟ وما هي خصائصها التي جعلتها تدخل ضمن كل وأي نشاط
للإنسان يهدف إلى التعامل مع الآخرين؟
يرى كثير من المؤخين
وعلماء الحضارات أن اكتشاف أو استنباط أو اختراع النقود
لا يقل أهمية عن اكتشاف الإنسان للنار والكتابة
الذين أديا إلى تطور الحضارات . تخيل أن الإنسان لم يكتشف النار فماذا كان شكل
حياته بدونها؟ هل يمكن أن تتطور
أو نرى ما حولنا من صور
الحضارة الحديثة ؟ بالطبع لا ، وكذلك الكتابة التي أتواصل معكم عبرها الآن فلولاها
ما تراكمت معارف الأمم وما تواصلت سلسلة الحضارة منتهية لما نحن عليه اليوم. إن للنقود ذات الأهمية فلولاها
ما وصل العالم إلى ما نحن عليه اليوم من سهولة في الحياة بقدر لا يمكن مقارنته
بوضع الأمم قبل هذا الإنجاز الحضاري العبقري.
فقد وجاءت النقود
لتفسح الطريق واسعاً أمام الإنسان المفكر
المبتكر لكي ينطلق في صناعة حضارته ويترجم هذه المكتسبات الحضارية إلى رفاهية سعى
إليها ونالها ، فبواسطة النقود
اكتسبت الثروة آفاقا جديدة أرحب وأسع وفتح
الطريق أمام التقدم الاقتصادي. فالتقدم المذهل الذي حققه الإنسان على مر التاريخ
والحضارات المتعاقبة لم يكن فقط وليد الإختراعات أو الإكتشافات التقنية وحدها ولكن
هذا التقدم يرجع في جزء كبير منه إلى استنباط الإنسان للعديد من النظم الإجتماعية
ونظم التعامل فيما بين البشر وفي يأتي في مقدمة ذلك الإنجاز العبقري .. النقود
.
رغم الأهمية القصوى للنقود في حياة الإنسان والتي
يندر أن يمر يوم على أي واحد منا دون أن يستخدمها بصورة من الصور ، ومع الإهتمام
الطاغي من جميع البشر بالنقود والسعي خلفها إلا أن الغالبية العظمى من البشر
لا يفهمون حقيقة وطبيعة النقود ، بل لا يجانبنا الصواب لو قلنا أن كثيراً من
المتخصصين أيضاً يجهلون معظم الخصائص الجوهرية للنقود وعلاقاتها
المتشابكة بمختلف النواحي والظواهر الإقتصادية التي حولنا وتؤثر في حياتنا بشكل
مباشر. برغم تعاملنا اليومي مع النقود
لم يفطن معظمنا لطبيعتها الخاصة بسبب أن النقود
تعتبر نظاماً اجتماعياً وليست
مجرد اكتشاف أو نظرية للعالم فلان أو فكرة للمفكر فلان ، فهي ليست فكرة أو نظرية
محددة المعالم أو اختراعاً ، فما هي إذن؟
النقود
نظام اجتماعي ديناميكي ومتطور
فرضته حاجات الناس إلى التعامل بنحو متدرج على مر السنين ، ولم تلبث النقود
أن فرضت قانونها الخاص على التعامل ذاته الذي
نشأت هي من أجله. أجل ولكن ما هي النقود ؟ ما تعريف النقود ؟ أعطني تعريفاً واضحاً للنقود ، لعلك تسأل الآن ، أليس
كذلك؟
في
الواقع لا يوجد تعريف واصح للنقود
غير تعريف خواصها ووظائفها وما إليه ، لنأتي إلى ما قيل في تعريف النقود .
لو
ذهبت إلى المعاجم ستجد كلمة نقود مردودة إلى مصدرها نقد وستجد مقابلها عدة كلمات وعبارات
مثل (ما يدفع من الثمن معجلاً) ، درهم ، عملة ، درهم نقد ، وازن جيد ، ويقال
النقدان أي الذهب والفضة.
جمع نَقْد . [ ن ق د ].
" صَرَفَ كُلَّ نُقُودِهِ " : الْمَال ، الْعُمْلَة. سكّ نقود معدنية ويقصد بها
تصدير النقود وتعني بالإنجليزية "taken coinage" ، لن أطيل عليك في تعريف النقود ولكني سأتركك مع معجم المعاني وغيره وعشرات
المرادفات لكلمة نقد كما يلي:
مصدرها نقد وهي ما يدفع من الثمن
معجلاً جنيه ، دولار ، دينار ، درهم ، أو أي عملة أخرى عملة ، ومنها كما ذكر النقدان وهما الذهب والفضة . كل ما سبق من معاني
ومرادفات لم تفي بالغرض الذي شرعنا من أجله في هذا الموضوع بلا شك ولم تشف غليل
المتحمسين إلى المزيد من المعرفة عن النقد والنقود والعملة والعملات ، أجل لا بأس .. دعونا نستكمل
حوارنا الذي أتمنى ألا يكون مملاً .
يعرف الإقتصاديون النقود
بأنها أي شيء مقبول قبولاً عاماً للدفع من
أجل الحصول على السلع أو الخدمات الاقتصادية ، أو من أجل إعادة دفع الديون ،
فمثلاً عند القول بأن الدينار ، الجنيه ، الين ، الدرهم ، الدولار ، الريال وما
إليه يعد نقداً فهذا صحيح أو أن نقول الشيكات هي نقود فهذا صحيح أيضاً وكذا
العملات المعدنية المختلفة . ولكن هل تقتصر النقود على ذلك؟ لا بالطبع فهناك النقود البلاستيكية والمقصود بها هنا بطاقات الصرف
الآلي التي تصدرها شركات خاصة لصالح المؤسسات المالية كالبنوك ومن ذلك شركات فيزا
"Visa" وماستر كارد "Mastre Card"
ويوروكارد وغيرها من مؤسسات كثيرة ، هل توجد صور أخرى للنقود؟ نعم فهناك النقود الإلكترونية التي قامت بتقديمها منذ فترة بعض
الشركات عبر مواقع إلكترونية مثل باي بال "Pay Pal"
، بايونير " Payoneer" وبنك بايزا "Payza" وغيرها الكثير مما سنأتي على ذكره لاحقاً في مواضيع أخرى
منفصلة ومفصلة لعموم الفائدة على الجميع.
هل
توقف الإقتصاديون عند ذلك ؟ بالطبع لا فالإقتصاديون يعطونك دوماً لكل تعريف تعريف
آخر ومنه يشتقون تعريفات أخرى وهكذا إلى ما شاء الله وربما هذا الأمر وغيره عدة
أمور أخرى في علم الإقتصاد تجعله كاللغة الصينية بالنسبة لعم حسن الصعيدي حارس
العقار. سنسعى في هذا الموقع جاهدين إلى تقريب بعض المفاهيم الإقتصادية لتكون
يسيرة على غير المتخصصين ولكن لا تتوقعوا تعريفاً محدداً لأي شئ فكل اقتصادي يشرح
لك الأمر ووظيفته وأثره ويضع تعريفاً يراه مناسباً ونجد أنفسنا مضطرين إلى وضع
تعريف جديد للتعريف .. ههههه .. لا تبتئس سنحاول أن نفهم سوياً ..
المفهوم الإقتصادي
للنقود ينقسم إلى قسمين ، نقود حقيقية وأخرى تقديرية ، و ... أوففففف ... ما تلك
التعقيدات؟ ... توقف هنا ..توقف من فضلك .. لا نريد أن تجرنا إلى مواضيع الإقتصاد المعقدة
الآن .. دعنا نركز على النقود والعملات عند العامة بغير الدخول في أدغال الإقتصاد
.. هكذا قال صديقي حينما كنا نتحدث في هذا الموضوع منذ فترة ، لذا تصورت أن مثله
كثيرون يرون الأمر بنفس الطريقة لذا سنؤجل مواضيع النقود والإقتصاد لمرحلة لاحقة ..
دعونا نعود إلى تعريفات
النقود قبل الخوض في الأمور الإقتصادية
تلك ..
يرى الكثيرون أن أفضل تعريف للنقود ذلك المشتق من وظيفتها مهما
اختلفت أشكالها وألوانها وطبيعتها فيقولون في تعريف جامع مانع أن ((النقود هي كل ما يمكن أن تفعله النقود )) ، وما الجديد
؟ بمعنى أنهم يطلقون كلمة نقود على أي وسيط قادر على القيام بوظيفة النقد ، والله؟
وما الجديد أيضاً ؟ أنا شخصياً يعجبني هذا التعريف ومنه اشتققت تعريفي الخاص
للنقود حيث أقول أن (النقود نظام إجتماعي عبقري مكن الناس والشعوب من التعامل
والتواصل بسهولة في سلام واحترام متبادل ، وهي وسيط للتعامل ومبادلة السلع
والبضائع والخدمات والأصول المالية الأخرى ومقبول لدى الجميع وتتمتع بعدة صفات
أخرى أهمها ثبات القيمة نسبياً ولها قدرة شرائية عامة ، وهي مخزن للقيمة لفترات من
الزمن).
كيف كانت النقود نظاماً
إجتماعياً عبقرياً ؟ النقود هي واحدة من أهم دعائم المجتمعات ، فبها ومن خلالها
تعاملت ومازالت تتعامل المجموعات البشرية المختلفة ، حيث تتقارب وتتعايش في سلام
كما أراد لها الله في إعمار الأرض من خلال التعامل والتعارف ، هذا فيما يتعلق بكون
النقود نظاماً إجتماعياً ، وأما كونها وسيط للتبادل فهو أمر برأيي مفهوم ولا يحتاج
لمزيد من الشرح أو التوضيح ، لكن ربما كون النقود مخزناً للقيمة لفترة من الزمن أو
لأجل فهذا ربما يلزمه بعض التوضيح . ما هي القيمة ؟ لو عدت إلى المعاجم لاستيضاح
كلمة القيمة لوجدتها تعبر عن أمور كثيرة بخلاف ما نحن بصدده هنا ، فهي تعني
القوامة والاستقامة وما إليه من مدلولات مشابهة ، بيد أن هناك مدلولاً آخر أراه هو
المعبر عما نتحدث عنه هنا وهو تعبيرها عن أهداف الإنسان وغاياته التي منها مقدس
يتصل بالإيمان وغاياته ومنها مادي يتصل بغايات وحاجات الإنسان المادية. بدون
الدخول في تفصيلات لغوية كثيرة ، دعونا نتناول فقط القمية من الزاوية المادية أي
الغايات المادية للإنسان ، كيف ذلك ؟
لاستجلاء الصورة أكثر
دعونا نأخذ مثالاً ، لو أنك كنت تعمل في الزراعة وقمت بإنتاج كمية من القمح حوالي
عشرة أطنان ، تحتاج لمعيشتك منه خمسة أطنان وبقي لديك خمسة أطنان ، أي أن قيمة ما
سوف تخزنه في بيتك خمسة أطنان ، كيف تخزنه ؟ يمكنك تخزينه كما هو كحبوب قمح في
مستودعاتك ، ولكنه ربما يفسد فتتجه به إلى السوق وتستبدله بشئ لا يهلك بسبب
التخزين ، أي أنك تقوم ببيع الخمس أطنان من القمح بكمية من الدنانير أو الدراهم وتحتفظ
بها بديلاً عن القمح ، أي أنك ببساطة قمت بتخزين قيمة إنتاجك في تلك النقود التي
حصلت عليها بديلاً للقمح ، هذا تشبيه بسيط جداً للتوضيح. ولكن كيف أو لماذا قلنا
أن النقود مخزن للقيمة لفترة من الزمن ، أي فترة محودة؟ هنا نقطة جوهرية هامة يجب
الإنتباه إليها ، لأن النقود بحد ذاتها ليست قيمة ولكن القيمة الحقيقية هي غايتك
منها ، فأنت تخزن قيمة جهدك لسنوات في حفنة نقود لغاية أخرى لديك تتمثل في استخدام
تلك النقود المحزن فيها قيمة عملك إلى أجل آخر ستحتاج فيه إلى تحقيق غايات معينة
بتلك الوسيلة المبتكرة (النقود) ، إذن النقود وسيلة وليست غاية بذاتها ، ولذلك
يقول العامة أن النقود لا قيمة لها إن لم تنفق وهذا صحيح مائة بالمائة ، فإنفاقها
معناه الحصول على قيمة تتمثل في تحقيق غاية لديك .
*******
No comments:
Post a Comment