سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم

Thursday 9 January 2014

نشأة النقود

متى نشأت النقود  وكيف وأين؟
وكيف كان الوضع قبل وجود النقود  في حياة المجتمعات؟
قبل ظهور النقود  لم يكن هناك طريقة لتبادل السلع أو الخدمات غير السلع ذاتها فكان الناس يتبادلون السلع بالسلع دون وجود وسيط مغاير ، وقد نشأت حاجة الناس والمجتمعات للتبادل بسبب توفر سلعة ما لدى البعض وحاجتهم إلى سلعة أخرى غيرها وجدير بالذكر أنه قبل ظهور عمليات التبادل تلك كانت المجتمعات تعيش على ما لديها من أسباب للمعيشة فيعملون بقد ما يكفي معيشتهم التي كانت تعتمد في أغلبها على ما يتمكنون من صيده لإطعام حاجاتهم الغذائية. لذا رأينا أن نعرج سريعاً على موضوع المقايضة أو التبادل أولاً ليكون مدخلاً معيناً على فهم عملية نشأة النقود .

المقايضة والتبادل
ببساطة يتلخص مبدأ التبادل في إعطاء شيء مقابل شيء آخر قد يكون مكافئا أو مساوياً أو حتى غير مكافئ له ، فهو إذن عطاء وأخذ أو أخذ وعطاء (مبدأ خذ وهات أو هات وخذ) ، وليس هناك تبادل بالعطاء فقط أو بالأخذ فقط فهذا ليس تبادلاً ، فالتبرع أو الهبة برضاء نفس ليس تبادلاً ولكنه عطاء فقط من جانب واحد أو عكس ذلك كالأخذ فقط عن طريق السلب أو النهب أو السرقة فهو أخذ بالقوة وليس تبادلاً فالسرقة والسلب ليسا تبادلاً فهما أخذ فقط . وهنا تكمن أحد أهم حقائق أو جوهر أو أسرار هذا الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وخلق فيه الإنسان لكي يعمره ، فالتعامل بمبدأ (خذ وهات) يفشي السلام بين الناس والمجتمعات بعكس مبدأ السلب والنهب والسرقة (هات فقط) ، وهنا نجد أنه يستوي مبدأ السلب (من حيث هات فقط) مع التسول (هات فقط) مع الإختلاف في وضع المعطي في كلا الحالين ، فالمعطي في موضوع السرقة يعطي عنوة ورغم أنفه أو نتيجة الغفلة منه ، ولكن المعطي في موضوع التسول يعطي برضاه . إذن لا تستقيم الحياة ويعم السلام الإجتماعي بين الناس والسلام بين البلدان إلا من خلال مبدأ الأخذ والعطاء ، من خلال وجود قنوات تواصل صحية (أخذ وعطاء) ، فلا الأخذ وحده ولا العطاء وحده يبني مجتمعات صحية .
التبادل عملية إنسانية بحتة ، يقول آدم سميث في هذا الصدد ((لم نر قط كلبين يتفاوضان في أمر اقتسام قطعة من العظم ، ولم نر قط أن حيواناً جلس يحاور حيواناً آخر مثله محاولاً إفهامه بواسطة الصوت أو حركات الجسد ، فيقول له هذا لي أنا ، وهذا لك أنت ، أو سأعطيك مالي مقابل أن تعطيني أنت مالك .. أعطيني أنت ما أحتاجه منك ، وسأعطيك أنا ما تحتاجه مني ، فبهذه الطريقة يتم الحصول على الجزء الأكبر من الخدمات النافعة والضرورية بين الناس)) ، حيث يستخلص آدم سميث من ذلك أن عملية التبادل التي تحتاج بطبيعة الحال إلى تفكير وحساب للكميات والأنواع هي عملية إنسانية محضة حيث لا يمكن للحيوانات أن تقوم بها. يرى علماء الإجتماع أن التبادل هو أحد مسببات تشكيل البنى الإجتماعية الناتجة عن الإنجذاب ، إنجذاب طرفين أحدهما إلى الآخر بسبب أن أحدهما يمتلك ما يرغب فيه الطرف الآخر والعكس صحيح ويذوب هذا الإنجذاب ويزول بعد إتمام أو إنجاز عملية التبادل إلا إذا كان هناك تبادل جديد فينشأ مرة أخرى وهكذا. والأمر في رأيي لا يختلف كثيراً مع الرؤية الماركسية للتبادل إلا في الألفاظ فقط ، فماركس يقول بأن (التبادل يتم على أساس مبادلة القيمة الإستعمالية بالقيمة التبادلية للخيرات ، مثال ذلك النجار ، فهو ليس بحاجة لكل تلك الأبواب التي يصنعها بعمله بل هو بحاجة إلى خيرات أخرى وسلع من نوع آخر ليطعم نفسه وعائلته ، أي أن الأبواب التي يصنعها لا تمثل بالنسبة إليه قيمة استعمالية ولكنها تمثل قيمة استعمالية عند الآخرين) ، لذلك يبحث الناس عن القيمة الاستعمالية للأشياء و يبادلونها بالقيم التبادلية للأشياء التي ينتجونها.
ها نحن قد ذكرنا كلمة إنتاج .. قبل التبادل لم يكن للإنتاج أهمية كبرى فالإنسان يكدح ليجد ما يسد رمقه وكفى ولكنه مع تطور المجموعة البشرية وقيامها بالإنتاج الذي فاض عن حاجتها برزت فكرة مبادلة ذلك الإنتاج الفائض عن حاجتهم بإنتاج آخر من أناس آخرين يعتبر بالنسبة لهؤلاء الآخرين فائضاً ولكنه مرغوب للجماعة الأولى وهكذا .. إذن الدافع الأساسي وربما الوحيد وراء عملية المبادلة بين البشر هو الإختلاف في الإنتاج ما بين مجموعة وأخرى أو من شخص لآخر ، يقول إبن خلدون وأرسطو أن قدرات البشر المختلفة والظروف المختلفة لا تسمح لهم بالحصول على كافة احتياجاتهم بصورة متساوية (أي مختلفة) ومن هنا نشأت الحاجة إلى المبادلة ، مبادلة ما لدي بما لديك .. مبادلة ما أملكه أنا ولا أحتاجه بما تملكه أنت ولا تحتاجه ولكنني أحتاجه أنا بينما أنت تحتاج لما أملكه أنا وهكذا ..
لعلها حكمة الله سبحانه وتعالى في عباده أن خلقهم مختلفين ليكمل بعضهم البعض .. ليتعارفوا .. ليتعاملوا .. لتعمر الأرض بهم ويكونوا خليفته سبحانه ، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ((لقد خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)) ، فالإنسان منذ بدء الحياة على الأرض يحتاج لأخيه الإنسان بسبب الإختلاف بين البشر فلكل قدراته ((كل نفس مسخرة لما خلقت له)) ، فقدرات البشر المختلفة والظروف المختلفة لا تسمح لهم بالحصول على كافة حاجاتهم بسهولة متساوية فإنتاج السلع والخدمات أو توفرها غير متساو لدى جميع البشر. فالفلاح يسهل عليه الإنتاج الزراعي ولكنه بحاجة إلى أدوات يصنعها الصانع (هذا مثال بسيط لتقريب المعنى فقط) . الشاهد أن لكل إنسان قدراته الخاصة وظروفه المحيطة التي تسمح له بإنتاج ومن ثم امتلاك سلع أو خدمات معينة دون غيرها فيلجأ إلى مبادلتها مع آخرين لديهم إنتاجهم الخاص الذي يتميزون به وهكذا الدول والمجموعات البشرية حتى الصينيين الذين غزت منتجاتهم أسواق العالم شرقاً وغرباً ، شمالاً وجنوباً هم بحاجة إلى سلع ليست متوفرة لديهم ، فهم مثلاً من أكثر دول العالم استيراداً للنفط الإيراني (مثال حديث للتوضيح فقط) .
ما ذكر آنفاً عن التبادل هو بمثابة فكرة إجتماعية عامة عن موضوع التبادل كضرورة إجتماعية إنسانية ولم نشر فيه إلى موضوع المقايضة وهو أول ما ظهر على وجه الأرض من صور التبادل الإقتصادي (يلاحظ أن حديثنا كله يركز على النظرة الإقتصادية فقط دون الدخول في تفاصيل أو ظواهر إجتماعية أخرى كتبادل المعارف والثقافات أو العلاقات الإنسانية الأخرى كالزواج ، موضوعنا الإقتصاد فقط ، لذا وجب التنويه) ، ربما تمكنا من تناول موضوع التبادل هذا بشكل منفصل ومفصل في زاوية أخرى لما له من أهمية كبيرة يجدر بنا دراستها بأناة وعمق لكونه أحد أهم أسباب تحقيق الإرادة الإلهية في إعمار الأرض بالتعارف والتواد والتراحم والعيش في سلام ، لو أن كل مجموعة بشرية قنعت بما لديها من خير وبحثت عن مبادلته مع غيرها من المجموعات البشرية الأخرى بصورة صحيحة ومرضية للطرفين بلا نزاع أو قتال لكسدت أسواق السلاح وزالت الحروب بين الأمم ، لكن الشيطان ينشر تجارة الموت حول العالم ليلقي كل يوم بالآلاف إلى الجحيم. إن الهدف الأسمى من التبادل بين الناس أو بين الشعوب هو التعارف والتحاب والتعاون والسلام وهذه هي إرادة الله لخلقه كما ذكر ذلك في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ، ولكن بعض خلقه يسعون في الأرض مفسدين متنطعين متكبرين لكي يحصلوا على ما لدى الآخرين بلا مقابل غصباً وسلباً ونهباً كغزو دولة لدولة أخرى بهدف سلب خيراتها وضمها إلى خيرات الدولة الغازية وهو عمل شيطاني لا يرضي الله مطلقاً ومهما نجحت تلك المحاولات فإن الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المتكبرين بالمرصاد وسيريهم وبال أعمالهم في الدنيا أو يؤخره لهم في الآخرة فينالون العذاب الذي يستحقون في جهنم والعياذ بالله. قبل أن نترك هذه النقطة ولدى البعض غغصة ربما من ذكر بعض آيات القرآن الكريم ورؤية الإسلام في هذا الشأن نسوق لهؤلاء رؤية أخرى غير إسلامية ولكنها تتطابق تماماً مع الرؤية الإسلامية ، يقول مونتسكيو (إن الأثر الطبيعي للتجارة هو الوصول إلى السلام "السلام" ، فأمتان تتفاوضان فيما بينهما، هما أمتان ترتبطان برباط متبادل) أي أنهما أمتان بينهما علاقات تجارية وروابط وسلام ومودة وهذا ما أراده الله لنا كبشر وبلغنا به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم عبر كثير من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية في القرآن الكريم.
نعود إلى موضوعنا الأساسي حول المقايضة ، فمن المعروف تاريخياً أن نظام التجارة في مراحله الإبتدائية كان يقوم على أساس المقايضة أو المبادلة وعند قول المبادلة أفضل أن نردف بعدها كلمة السلعية لأن المبادلة كمفهوم مازالت هي هي كما هي منذ بدء الخليقة وإن اختلفت الصور والأشكال والسبل ، عموماً المبادلة هنا أو المقايضة تعني مبادلة سلعة بسلعة أخرى. حيث كان أفراد القبيلة أو القرية يتقابلون في مكان معين يسمونه السوق فكان المشتغل بالصيد يستبدل ما يملك من فراء وجلود ولحم بما عند المشتغل بالزراعة من قمح وحطب وغيرها مما تنبت الأرض. وحتى قبل ابتكار السوق (سنأتي لاحقاً على موضوع السوق بالدراسة المستفيضة لشأته وتطوره حتى اليوم) كان الأفراد يقايضون ما لديهم بما لدى أقاربهم وذويهم في محيطهم العائلي أو الجغرافي المحيط بهم. لقد عانى أجدادنا كثيراً من نظام المقايضة هذا فواجهتهم العديد من الصعوبات التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، صعوبة تحقيق التوافق المزدوج بين رغبات المتعاملين ، فأنا أعمل بالصيد ولدي جلود وفراء ولحوم تزيد عن حاجتي وأذهب إلى السوق لأبادلها بقمح وشعير ولكن الرجل الذي معه القمح لا يريد لحومي وجلودي وفرائي وإنما يريد تمراً وعسلاً ، فماذا أنا صانع بما لدي وماذا يصتع هذا الرجل؟ نبحث سوياً عن طرف ثالث يريد مبادلة تمر بلحوم وجلود وحين وجدته رحت أبحث عن الرجل الذي لديه قمح يريد بديلاً له تمراً فوجدته قد استبدل بضاعته ورحل فعدت أبحث من جديد عمن يريد لحماً وجلوداً وفراء بقمح ، وهكذا كانت مشكلات الأجداد مع المقايضة في عدم توافق رغبات أو حاجات المتعاملين.
من مشكلات المقايضة أيضاً كانت صعوبة تقدير نسب المقايضة ، فهذا رجل لديه قمح يريد استبداله برأس غنم ، وعندما تقابلا وفرحا لقرب عقد صفقة المقايضة أو التبادل بينهما دخلا في مشكلة جديدة وهي كيفية التوافق على مقياس عادل يحددان على أساسه نسبة المقايضة بين القمح والغنم ، فالمشكلة هنا هي كم يساوي رأس الغنم من كيلات القمح ، فلا بد من إيجاد وحدة قياسية تنسب إليها وحدات السلعتين حتى نعرف كم يساوي رأس الغنم من كيلات القمح ، هل رأيت كف عانى أجدادنا لقرون طويلة في أبسط ما تقوم به أنت الآن وبيدك كوب الشاي وفأرة الكومبيوترتنكز بها الأيقونة لتضيف سلعة ما إلى سلة مشترياتك في ثانية أو ربما جزء من الثانية؟
لنأخذ مثالاً توضيحياً ، نفرض (فرضاً جدلياً غير عملي) للتبسيط أن بالسوق يوجد أربع سلع فقط هي القمح والغنم والتمر والدجاج ، إذن علينا كمتعاملين في السوق أن نقوم بتقدير نسب للمقايضة ، فلا بد أن نقدر كم يساوي رأس الغنم بالنسبة للقمح والتمر والدجاج ، وكذلك القمح بالنسبة للتمر والدجاج، وأيضاً التمر بالنسبة للدجاج ، أنظر إلى المعادلة التالية التي تقدر عدد النسب الخاصة بالمقايضة لأربعة سلع فقط
عدد نسب المقايضة = عدد السلع المعروضة × (عدد السلع المعروضة -1) والقسمة على 2
عدد نسب المقايضة = 4 × (4-1) \ 2 = 6
إذن أربعة سلع فقط بالسوق يستلزمها وجود ستة نسب للمقايضة ، فما بالنا لو أن بالسوق خمسين سلعة مختلفة؟ كم سيكون لدينا من نسب المقايضة ؟ تعالى نحسبها وفق المعادلة السابقة:
عدد نسب المقايضة = 50 × (50 - 1) \ 2 = 1225
أي لدينا ألف ومائتان وخمسة وعشرين نسبة مقايضة ، أي معاناة تلك؟ .. عملية قاسية جداً ، ولذلك فكر أجدادنا في الإتفاق على مقياس عادل ومقبول من جميع المتعاملين في السوق تنسب إليه قيم السلع المختلفة ، فاتفقوا مثلاً على جعل المقياس هو القمح (هذا مثال تقريبي لا أكثر) ورضي جميع المتعاملين في السوق بهذا المقياس وجعلوا أن مكيال القمح يعادل دجاجة أو إثنتين مثلاً ورأس الغنم تساوي عشرة مكاييل من القمح ومكيال التمر يساوي مكيالين من القمح ورأس البقر يساوي خمسين مكيالاً من القمح وكذلك رأس الإبل ، وهكذا دواليك ، إذن رأس الغتم تساوي خمسة دجاجات وخمسة مكاييل من التمر إلخ .. إذن المقياس هنا هو مكيال القمح ..
 من صعوبات عملية المقايضة أيضاً ، عدم قابلية بعض السلع للتجزئة ، فمثلاً لو أنك ذهبت إلى السوق لمقايضة ما لديك وكان رأس غنم تريد أن تقايضه بخمسة مكاييل من القمح ولم تجد إلا رجلاً في السوق لديه ثلاث مكاييل فقط فماذا تفعل ؟ إن رأس الغنم لا يمكن تجزئتها أو قسمتها فهل تقبل بهذه الكمية القليلة من القمح أم ماذا عساك أن تفعل ؟ والمثال ذاته ربما يمكن أن يكون معكوساً وهكذا .. تلك كانت صعوبات الأجداد في ممارسة أنشطتهم الإقتصادية والتجارية ، لابد أن تقوم الآن فتصلي إلى الله وتشكره أنك لم تدرك ذلك الزمان وتعيش اليوم في رفاه كبير.
كما رأينا من قبل فقد ظهرت النقود  السلعية نتيجة لكثير من الصعوبات في عملية المقايضة من حيث عدم تكافؤ السلع وعدم توافق مالكيها وعدم قابلية بعضها للتقسيم كالماشية (سنأتي على ذكر ذلك تفصيلاً في أجزاء لاحقة) ، فقد لجأ الناس إلى السلع الوسيطة لاستخدامها كمقياس عام لقية السلع الأخرى ، وتعارفوا عليه لكي تنسب إليه كل السلع المختلفة الأخرى ، بحيث يكون مقبولاً لدى جميع المتعاملين في السوق ، وقد استعمل الإنسان بعض أنواع الحيوانات كسلع وسيطة مثلما كان يفعل الإغريق ، أو القمح كما كان يفعل المصريون ، واستخدم الهنود الحمر التبغ كنقود سلعية قياسسية ، وأما الصينيون فقد استخدموا السكاكين والأدوات وهكذا لكل مجموعة بشرية نقودها السلعية الخاصة بها ، وقد سميت هذه السلع الوسيطة بالسلع النقدية أو بالنقود  السلعية ، وباستخدام هذه السلع النقدية وسيطاً للتبادل تحول نظام التجارة القائم على المقايضة سلعة بسلعة أخرى ، تحول تدريجياً إلى نظام تبادل يقوم على استعمال النقود  الوسيطة التي هي مازالت سلعة أيضاً ولكنها سلعة قياسية متفق عليها بين المتعاملين ، وأصبحت عملية المبادلة تمر بمرحلتين بيع منفرد لما لدي من سلعة أو سلع ، ثم شراء منفرد لسلعة أخرى أريدها بواسطة سلعة نقدية قياسية وسيطة حصلت عليها من بيع ما كان لدي من سلع . فمن لديه ماشية مثلاً في مصر كان يبيعها أو يستبدلها بالنقود  السلعية (القمح) ثم بهذه النقود  السلعية (القمح) أو جزء منها يشتري تمراً أو عسلاً أو زيتاً أو أي بضاعة أخرى يريدها وهكذا .
تطورت أحوال الناس والمجموعات البشرية على مدى قرون طويلة وتبدلت الأحوال شيئاً فشيئاً وبات من الصعب على الناس استخدام القمح والمواشي وغيرهما من السلع كنقود فجاءت المعادن النفيسة كالذهب والفضة لتحل محلها وتصبح وسيلة للتبادل محل القمح والأنعام والسلع الأخرى ، ويرجع السبب في اختيار المعادن النفيسة للتبادل النقدي وتفضيلها على سائر السلع الأخرى هو تمتعها بصفات هامة لا تتوفر في غيرها منها  وأهمها الندرة فالذهب والفضة عنصران نادران بطبعهما في الأرض ليسا متوفرين كالحديد مثلاً وهذا يعتبر أهم ميزة لهذين العنصرين ، ثم الصلابة وعدم قابليتها للهلاك مع الزمن ، النقود  التي تصنع منها يسهل جعلها متجانسة وقابلة للتجزئة ، يسهل حملها وتخزينها ، ولكن أهم من هذا كله أنهما يتمتعان بالندرة النسبية.
لو نظرنا إلى عيوب وصعوبات المقايضة من عدم توافق الرغبات بين الناس ، عدم قابلية معظم السلع للتجزئة ، وجود عدد كبير من الأسعار لكل سلعة (عدم وجود مقياس) ، وكون نظام المقايضة لا يسمح باختزان القيم وعدم قابلية معظم السلع للاختزان دفع الناس إلى البحث عن البديل الذي يعالج لهم تلك العيوب. ليس ما سبق فقط كانت هي الدوافع لإبتكار النقود  بل حركة المجتمعات وزيادة الإنتاج لما يفيض عن حاجة الناس آنذاك دفعهم إلى إيجاد طريقة ما لحفظ هذا الإنتاج الفائض بطريقة أيسر وأكثر أمناً عليه من الفساد أو الضياع فكانت المعادن النفيسة هي البديل الأنسب لذلك.
*******
مصدر الصور: فليكر 

 
 





 
 
 
 
 




 

 

 

 

 

 

 


 

 


 


 


 

 

 

 

 

 

 




 
 
 

No comments:

Post a Comment